لكن الحقيقة ان التفسير الواقعى لهذه الحالة ينبع بالاساس من غياب عوامل الافاقة والانعاش الخارجية التى ساهمت بظهوره بعض الوقت , بالاضافة الى السبب الاهم وهو الخلل العقلى والايديولوجى لدى هذا التيار , فالنشاط العقلى لليسار المصرى يتسم بعدة جوانب خلل تمثل فى مجموعها محنة العقل عند اليسار المصرى .
هذه المحنة هى التى حجمت دور اليسار وقدرته على التأثير فى مسار الامة وامكانية اسهامه بفاعلية ومشاركته فى الاحداث على مسرح الاحداث فى مصر .
وسنحاول ان نظهر هذه الجوانب بأيجاز لنستطيع ان نستشرف مستقبل وجود هذا التيار فى الحياة المصرية مستقبلا .
تتمثل هذه الجوانب فى :
1- الروافد الدخيلة :
أول جوانب المحنة العقلية لليسار المصرى هو روافده الدخيلة , فبجانب كون هذا الفكر مستوردا بالكلية وغريبا عن عقيدة وفكر هذه الامة الا ان الامر لا يقتصر عند هذا الحد , فمؤسسى هذا التيار فى مصر هم ايضا غرباء من امثال هنرى كورييل وهليل شوارتز ومارسيل اسرائيل , ولا ينتظر من يهود واجانب ان يقدموا فكرا يتناسب مع عقيدة الامة بصورة تجعله قادر على الفعل والتأثير فى مصيرها فضلا عن قيادتها وتوجيهها .
2- معاداة الاسلام :
هذه المعاداة لا تكاد تخلو من اى فرد فى اليسار المصرى , فهذا التيار يعادى الاسلام بشقيه المادى والروحى , فلا يقبل بتأثير الاسلام ولا بوجوده فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأمة , كما لا يقبل اصلا بالجانب العقيدى له , فرفضه للأسلام جزء اصيل من منهج هذا التيار , بل ان عداوته للاسلام يأخذ الاولوية لديه .
وفى سبيل هذا العداء المطلق للاسلام يقبل بأى بديل آخر ليبراليا كان او ديكتاتوريا , ولعل كلام رفعت السعيد من أشهر الادلة على هذا العداء , خصوصا بعد الصعود السياسى المدوى للاخوان المسلمين , الامر الذى حدا به الى مناشدة الدولة لتحجيم دور الاخوان فى الجامعات والحياة السياسية حتى لو لم يسمحوا لأى حزب آخر بالصعود , فالاولوية لديه هى حرب الاسلام حتى لو كان الاستبداد هو البديل .
3- المواقف الخيانية من قضايا الامة :
وهذه النقطة مبنية على ما سبق من انتسابهم فكريا ومنهجيا للخارج ومعاداتهم الاصيلة للاسلام و واليسار المصرى لا يختلف عن كل الحركات اليسارية الاخرى فى عالمنا العربى والاسلامى فى هذه النقطة , فالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحكومة اليمن الجنوبى الماركسية شاركتا القوات الاثيوبية حربها ضد القوات الصومالية الساعية لتحرير اقليم اوجادين الصومالى المحتل , وموقف اليسار المصرى من احتلال السوفييت لأفغانستان لا يخفى على احد من هجومهم على المجاهدين وتبريرهم للغزو الاحمر وتجميل وجه الحكومة العميلة فى كابول ذلك الوقت , وموقف كل الاحزاب اليسارية فى عالمنا العربى والاسلامى من قيام الكيان الصهيونى لم يشذ عن موقف ربهم الاعلى فى ذلك الوقت – الاتحاد السوفيتى – الذى اعترف بهذا الكيان الصهيونى قبل ان تعترف به اى دولة اوروبية تاليا للأعتراف الامريكى مباشرة , ونحب ان نوضح نقطة هامة وهى ان اليسار المصرى لا يعارض وجود اسرائيل من الاصل لكن يتعامل مع القضية على انها مسألة يمكن التفاوض حول جوانبها من خلال حل خلافات حدودية وقضايا فرعية كقضية اللاجئين , لكن دون انكار لحق اسرائيل فى الوجود اصلا .
4- التقعر فى المصطلحات الخطابية :
الديماجوجية والبروليتاريا واشباههما كلها مصطلحات شائعة فى لغة الخطاب اليسارى التى تهدف الى التغطية على تعارض وتنافى منهجهم الدخيل مع ثوابت الامة , فاليسارى يستخدم مصطلحات غامضة بغرض تجهيل المستمع ليمنعه من المعارضة والمناقضة , ويشعره بالدونية الثقافية فلا يجب ان يكون المستمع الا تابعا يساق الى حيث يريد المتحلفط اليسارى الناطق بالديماجوجية وغيرها من الافلاظ التى لا تمت الى لغتنا العربية ولا الى ثقافتنا الاسلامية وعقيدتنا وحضارتنا بصلة .
5- النظرة الى التاريخ :
عندما يرى اليسارى المصرى حجمه الحقيقة الحالى فانه فى العادة يبدأ فى اجترار الماضى واستذكار التاريخ , لكن الغريب أنهم فى استرجاعهم للواقع التاريخى محاولين الهجوم على الاسلام والتيار الاسلامى يتوقفون عند حقبة الستينات ولا يجاوزونها لما قبلها , وكأن تاريخ مصر لم يبدأ الا منذ نصف قرن فقط , فعندما تسوءهم مثلا مظاهر التدين فى ابسط صوره من حجاب ونقاب ولحية يتباكون على التبرج والسفور والعرى المنتشرين فى فترة الستينات , وكيف ان الحجاب الوهابى قد غزا مصر وان هذه المظاهر دخيلة على مصر , متناسين انه قبل هذه الحقبة التى يسترجعونها كان الانتقاب والاحتجاب هو الزى العام لنساء مصر , وعندما يتكلمون عن التواجد الاسلامى فى الجامعات والنقابات وغيرها يستذكرون سيطرتهم على الساحة السياسية فى نفس الحقبة , ويصوروا ان الوجود الاسلامى فى الساحةا لسياسية هو وجود دخيل مدعوم بأموال البترول الوهابى مرة اخرى , وكأنه قبل ذلك لم تكن هناك دولة اسلامية امتدت لمئات السنين .
بهذا العرض الموجز نود أن نصل الى ان اصلاح اليسار المصرى ليصبح فاعلا فى الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر لا يكمن فى اصلاح تنظيمى أو ترتيب سياسى معين فى المناخ العام , انما يحتاج الى اصلاح فى الخلل العقلى لديهم لأن انقراضهم المنتظر انما مرده الى محنتهم العقلية , اى اننا نقدر ان نقول ان اليسار المصرى كمنهج ايديولوجى ميت حكما وبالتالى نقول أن :
اكرام الميت دفنه .