الاثنين، 15 ديسمبر 2008

الجزمة بمعناها فى نفس لابسها

كلنا تابعنا وبكل سرور الهدف الجميل الذى احرزه منتصر الزيدى يوم الاحد الماضى , وتقريبا سارت ردود الافعال فى العالم العربى فى اتجاه واحد يصب فى شعور طاغى بالفرحة لهذا التصرف من قبل الصحفى العراقى , لكن كالعادة ظهر علينا ذوى الياقات البيضاء من العرب الذين تقمصوا دور العقلاء الحكماء العقلانيين واخذوا يتحفونا بعدة حجج منطقية توضح لنا حقيقة الوضع , وكيف ان الامريكان لم يشعروا بالاهانة مطلقا وانه عادى عندهم دول حتى بيسلموا على بعض بالجزمة كل يوم الصبح عربون محبة يعنى .
من امثال هؤلاء كان حافظ المرازى الذى كان ضيفا على برنامج العاشرة مساءا , الرجل اخذ يشرح كيف ان الاعلام الامريكى لم يتعامل مع القضية الا من خلال شرح مفهوم استخدام الحذاء فى الثقافة العربية , وماذا يعنى استخدامه عندنا نحن العرب , ولكن الرسالة التى قصدنا ايصالها باشعار بوش بالاهانة لم تصل , ولا ادرى هل هو جدى فى كلامه هذا ام يهزل , اننا لا يهمنا ماذا يعنى الحذاء بالنسبة للغرب انما ما يعنيه بالنسبة لنا فصاحب الحذاء عربى , وعندما يفهم الامريكان ماذا يعنى استخدام الحذاء بالنسبة للعربى يكونوا قد فهموا الرسالة تماما , فكما قالوا قديما ( الكلمة بمعناها فى نفس قائلها وليست بمعناها فى نفسها ) .
ثم انتقل لنقطة اخرى تدور حول قضية المهنية فى اداء الوظيفة الصحفية , ولكن من قال ان منتصر الزيدى فعل هذا كصحفى , انه فعلها كعربى عراقى يعبر عن كم الغضب والكراهية التى يحملها تجاه الجرائم الامريكية , وليس هنا مجال لتوصيل رساله حضارية عن العرب كما يزعم المرازى , ولا اتصور اصلا ان يكون هناك محل للتصرف الحضارى من قبل ضحية لم يتورع جلادها عن ارتكاب كل انواع الجرائم الوحشية والحيوانية , ان المرازى يتكلم عن امكانيات احراج بوش بقوة عن طريق الاسئلة العسيرة التى ستجعله يفشل فى الاجابة عنها ووشه يحمر ومش بعيد يسقط ويعيد السنة .بغض النظر عن كل هؤلاء انا مبسوط جدا جدا جدا بالموقف دا , وكل اللى انبسطوا من هذا الموقف مش غافلين عن كون الاحتلال الامريكى فى العراق مازال قائما , ولا واحد فيهم يجهل حقيقة موقفنا وسوء اوضاعنا , لكن الموقف دا ان دل على شىء فانما يدل على ان الامة مازالت كرامتها حية ومازال كبرياؤها متجددا ومازال غضبها متأجج , لم نسقط بعد فى حمأة الدياثة ولم نصل لدرجة تقبيل ايدى جلادينا بمناسبة انتهاء مدة خدمتهم وتسليمنا لجلاد جديد .

الجمعة، 12 ديسمبر 2008

التقريبيون والترام

فى النصف الاول من القرن العشرين ظهرت دعوات التقريب بين السنة والشيعة , وكانت غاية أئمة هذه الدعوة من أمثال الشهيد – بإذن الله – حسن البنا والشيخ محمود شلتوت والدكتور مصطفى السباعي وغيرهم هي محاولة مداواة جرح نازف في جنب الأمة وإغلاق جبهة زائدة تستنزف جهودها وتشتت انتباهها , وقد ظهرت أهمية مسألة الصراع بين السنة والشيعة في مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني عندما قال " عدم وجود تفاهم مع إيران أمر جدير بالتأسف عليه , وإذا أردنا أن نفوت الفرصة على الإنجليز وعلى الروس فانا نرى فائدة وجود تقارب اسلامى في هذا الأمر " , ولعله لا يخفى على ذي لب أن السلطان عبد الحميد رد سبب دعوته لمثل هذا التقارب إلى تفويت الفرصة على أعداء الأمة , وقد كان هذه هي الغاية الأساسية لدى أعلام السنة الذين دعوا للتقريب وسعوا له .
ولكن هذه النوايا الطيبة من جانب السنة لم يقابلها مثلها لدى الشيعة , فقد وجد الشيعة فى مثل هذه الدعوة فرصة للوثوب على العالم الاسلامى , ووسيلة للنفاذ لقلب الأمة ونشر مذهبهم فيها , وقد ظهر هذا جليا في تجارب كثيرين ممن كانوا متحمسين لمسألة التقريب وشعروا بعد ذلك أنهم خدعوا من قبل الشيعة, فالدكتور مصطفى السباعي يروى تجربته المريرة مع الشيعة في التقريب في كتابه (السنة ومكانتها فى التشريع الاسلامى) وكيف انه التقى بعبد الحسين شرف الدين احد علماء الشيعة في جبل عامل واتفق معه في حضور بعض علماء الشيعة على ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين السنة والشيعة وكيف أن تحمس عبد الحسين للفكرة لكنه ما لبث أن وجد عبد الحسين يصدر كتابا في أبى هريرة مليئا بالسباب والشتائم بل وصل به الأمر إلى تكفير الصحابي الجليل أبى هريرة , ولم تقف التجارب المريرة عند هذا الوقت فالشيخ يوسف القرضاوى مثالا حيا لمثل هذه التجارب , فقد بح صوت الرجل طوال سنين يدعو للتقارب ونبذ الخلاف وتجنب الفرقة وضرورة البعد عما يثيرها , وكان يلح على علماء الشيعة الكف عن سب الصحابة ولعنهم , ولم يلقى منهم إلا الكلام المجامل الذي لا يغير من الواقع شيئا , فلما تكلم بوضوح وصراحة فيهم هاجموه بكل ألسنتهم .
فالشيعة لا يسعون من وراء تجاوبهم مع دعوات التقريب إلا الاستفادة في اختراق الصف السني , فهذه الدعوات تحسن صورتهم أمام العامة بحيث يستطيعوا بعد ذلك أن يتدرجوا فى اجتذابهم لمذهبهم ,فالعادة البشرية جرت على النفور الطبيعي لدى اى جماعة بشرية من عقيدة اخرى مخالفة تعلم بطلانها ابتداءا , فلما يبرز امام عامة أهل السنة أناس لهم من الثقل والمكانة لديهم ما هو معلوم يحسنون صورة الشيعة ويثنون عليهم فهذا اول خطوة يريدها الشيعة للنفاذ تدريجيا نحو قلب المجتمع السني ودعوته وجذبه للتشيع الرافضي .
والشيعة – كسائر الفرق الباطنية – لهم في مذهبهم والدعوة إليه درجات – أو قل دركات – أوضحها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه ( فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية ) , فهم لا يظهرون حقيقة مذهبهم دفعة واحدة , فالخطوة الاولى تقتضى موافقة الذين يدعونهم وعدم اظهار المخالفة لهم حتى يستأنسوا منهم قبولا لدعوتهم , ثم بعد ذلك تأتى محاولة الوصول الى قلب المدعو واستمالته بلطف الحديث , وينتقلون بعد ذلك للتشكيك فى اصول الاعتقاد لدى المدعو بما يعجز عن الاجابة عليه لكونه من العوام , فان تعلق ذهن المدعو بهذه المسائل الشائكة التى لا جواب عنده عليها امتنعوا عن اجابته حتى تأكدوا من التزامه جانبهم وانضوائه تحت لوائهم , فان تأكد لهم هذا اكدوا لهم مدى تعظيمهم للشرع واحترامهم للنصوص القرانية , ولكن هذا يتبعه القول بوجود ظاهر للنص وباطن له , وان ظاهر النص ليس هو المراد انما المقصود باطنه الذى اودع فيه , فان تقبل هذا صار تابعا لكل اقوالهم فى تفسير القران وقبول السنة وانسلخ بالكلية من السنة .
ورغم وضوح هذه الحقائق من خلال التجارب العملية مع الشيعة فى مجال التقريب الا اننا مازلنا نشهد كثير من أعلام أهل السنة يعزفون على نفس الوتر القديم , متغافلين عن استغلال الشيعة لهم دون أن يقدموا في المقابل اى بادرة جوهرية لحسن النية , ويذهب الامر ببعض اهل السنة ان يكيل المديح لبعض رموز الشيعة فى المساجد ويهاجم رجلا بوزن الشيخ القرضاوى ان قال كلمة حق فى كون الشيعة اهل بدعة , فالامر لديهم تعدى مجرد التقريب بينهما الى التحول لمدافعين عن الشيعة وساردين لمناقبهم , وان كان القول بتبعيهم لايران من الصعوبة العقلية بمكان فان التفسير الوحيد الذى يمكن تصوره عقلا هو أنهم أدركوا فعلا أنهم اشتروا الترام ويحاولون أن يبيعوه لنا أيضا كى لا يظهروا بمظهر السذج الأغرار .