ان وجود فئة العالمانيين فى مصر امر معروف منذ اواخر القرن الثامن عشر , فالعالمانية مرض متوطن فى مصر منذ ذلك الحين مثله مثل الكوليرا , ينشط فى بعض الاحيان ليصبح وبائيا او يخبو احيانا اخرى فى البرك والمستنقعات والمصارف المائية .
لكن ما يلفت الانتباه حقا هو ظهور انواع جديده من هذه السلالة , وهى تلك الفئة العالمانية المغلفة بطبقة اسلامية رقيقة .
ولا يهمنا هنا ان نطرح جوانب الاختلاف بينهم وبين العالمانيين الصرحاء فكلاهما عندنا سواء , لكن ما يهم هو توضيح السمات الاساسية التى تكشف حقيقتهم وتبين منهجهم , وهذه السمات يمكن تلخيصها فى نقاط ثلاث :
1-تنحية الجانب العقيدى من قضايا الامة المصيرية :
يتبنى هذا التيار خطابا ماسخا عند تناول قضايا الامة , يتجنبون فيه اظهار المنطلق العقيدى الذى يجب ان يحكم تحركات الامة فى مواجهة قضاياها , فعند الحديث عن فلسطين مثلا تجد احدهم يتحدث عن حق الشعب الفلسطينى فى الحياة , وانهم يعانون ليس لشىء الا لأنهم يريدون ان يأمنوا على انفسهم وعلى اولادهم , ولكن ليس لأنهم يجاهدون المحتل ويدفعون الصائل , وان الامة يجب ان تنصرهم لأن جهاد الدفع فرضا عينيا , ولأن الشعب الفلسطينى مسلم يجب ان نواليه ولا نسلمه لجلاديه .
فهذا الجانب يختفى تماما فى خطابهم ولا يكاد يرى , وهم فى هذا اما يتشبهون بالعالمانيين والليبراليين , واما متأثرين بخطاب بعض الاوساط الغربية التى تدعى تأييد حقوق الفلسطينيين , ولكن كلا الامرين وصمة فى حق اى واحد من ابناء هذه الامة .
2-محاولة تطويع الاسلام ليوائم المفاهيم الغربية :
يغلب المنهج الاعتذارى على لغة الخطاب لدى هذه الفئة عند التحدث عن الاسلام , فهم لا يقدمون الاسلام للآخر كما يأمرنا الله , لكن يقدموه كما يريده هذا الاخر , فان كان هذا الاخر لا يريد ان يسمع عن الجهاد فالمسألة تنحى تماما من مفاهيمهم , وغزوات الرسول وفتوحات الصحابة ما هى الا حربا دفاعية بحتة اجبروا على خوضها حسب كلامهم , وان كان الاخر يؤمن بحقوق المثليين فالمسألة فيها نظر اسلاميا , اما تعدد الزوجات فهو فى تصورهم لحالات شديدة الخصوصية تكاد تكون معدومة فى عصرنا الحالى , بل اننى قرأت لأحدهم مؤخرا مقولة فى منتهى الاستفزاز يقول فيها " انا شخصيا مقتنع بما يسمى تطور التشريع " كأنه يريد ان ينسخ احكام القران لأنها لا توافق العصر , وآخر ذهب للقول بتحريف حد الرده بالكلية وفرغه من مضمونه حتى يوافق مفهوم الدولة المدنية لدى العالمانيين والغرب .
3-التقرب من العالمانيين والملاحدة والنفور من ابناء الحركات الاسلامية :
تعتبر تصورات العالمانية والغرب عن الحركات الاسلامية من الثوابت لدى هذا التيار , بل انها اثبت لديهم من القران والسنة وهدى السلف , فبما ان العالمانيين يقولون ان بن لادن والقاعدة ارهابيين فهم كذلك فى تصورهم , بل ومتطرفين ودمويين ايضا , وابناء التيار السلفى هم بلا شك رجعيين جامدين متحجرين لا يعيشون فى هذا العصر , ويجرى على هذا النهج موقفهم من كل الحركات الاسلامية .
وفى المقابل يجد وبسهولة مساحة شديدة الاتساع للتلاقى مع التيار الليبرالى او اليسارى او حتى الملاحدة للتغيير والاصلاح , بل ان منهم من يجد نقاطا مشتركة كثيره بينه وبين حقوقيين اوروبيين او امريكان وحتى يهود , لكن لا يجد ادنى فرصه للتقارب مع ابناء الصحوة الاسلامية .
ولعل اخطر ما فى هذه الظاهرة هو انضواء بعض اصحاب هذا المنهج لأبرز حركات العمل الاسلامى هذه الايام , وتبنيهم خطابا متعلمنا يهدفون لاضفائه على هذه الحركات بغية علمنتها فى النهاية , وهم يدعون حرصهم على الاسلام ومحاولة تجميله وتحسينه حتى يلقى قبولا لدى الاخر .
هل صح قول من الحاكى فنقبله ام كــل ذاك اباطيــل واسمــار
اما العقـــــول فآلت انـه كــذب والعقل غرس له بالصدق إثمار
الأربعاء، 28 مايو 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك 8 تعليقات:
والله يا اخي جزاك الله كل خير
كويس ان حد يلفتنا للناس دي
يعني هو احنا كنا خلصنا من العلمانين لما نلاقي اشباه العالمانين
محتاجين نعرف صح ونفهم صح
ومحدش ياخد دينة من التلفزيون ولا الجرائد
السلام عليكم اخي محمود
دول بقى المنافقين العلمانيين
اللي تلاقيهم يقولولك انا علماني جزئي
يعني مش كلي حتة منه بس
عشنا وشفنا
باذن الله هيدخلوا بركهم ومستنقاعتهم وجحورهم تاني
جزاك الله خير يارب
تحياتي
جميل النص ,
عندى تعليقين
-1-
أنا مختلف معاك فى النقطة الاولى لأن مفهاش حاجة لما أتكلم عن حقوق الشعب الفلسطينى مش لازم أستبعد من وجهة النظر الأسلامية البعد الدينى و لا لازم أستبعد البعد المدنى فى حقوق الفلسطينيين , متنساش أن فى منهم مسيحيين و دول أكيد مينطبقش عليهم بالبديهة البعد الأسلامى فى القضية لكن حيستفيدوا من البعد المدنى و بالتالى على المسلمين عدم أستبعاد البعد المدنى
-2-
الله ينور عليك فى النقطة دى فى النقطة التانية بجد
لانها مش محاولة تتطويع الأسلام بس , لأ دى فى كل حاجة , حتى فى طريقة الأكل و الشرب و النوم و السكن , كله علشان يرضى الغرب , انا مقتنع بالخصوصية المصرية فى كل حاجة حتى فى الدين , الله يخرب بيوتهم خربوا نافوخنا بنظرية التوجه الغربى . معنديش مشكلة أنى أتعلم من الغرب لأن الغرب فعلاً متقدم , لكن مش معنى كده أنى أرضيه و خلاص و أبسطه و أفرفشه , حاجة تخنق .
الاخ العزيز
اذكرك بان الميت لايلتفت اليه احد ولكن الانظار معلقة بالصحوة الاسلامية التى تمتد لتشمل العالم كله لانها حيه وحيوية وتجتذب الناس من كل حدب
فالطروحات الموجودة على الساحة من كل المذاهب والاتجاهات الفكرية هى دليل على الصحة لا المرض والمناقشات والحوارات دائما مفيدة ولا تضر مهما كان مصدرها
الناس دي عايزة إسلام تفصيل على مزاجها وللأسف بيستغلوا ألفاظ ومصطلحات صحيحة في غير مواضعها وبيخلطوا المفاهيمو في الآخر بيدعوا إنهم حريصين على الإسلام
2-محاولة تطويع الاسلام ليوائم المفاهيم الغربية
هههههههههههه اخيرا اتفقنا شوفت بقى موافقك يا شيخ محمود فى ده
لانى شوفته واحد بيستشهد بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم على انه تصرف علمانى بحت
بسم الله الرحمن الرحيم
فهد
بصراحة اخى اشباه العالمانيين مشكلتهم انهم يصوروا للناس انهم هم ممثلى الاسلام الحقيقيين والملتزمين فى نظرهم مجرد متشددين .
الاخت عاشقة النقاب
هو انا لم اقصد بتوع العالمانية الجزئية , دول يصرحوا بعالمانيتهم , لكن القصد هما الناس اللى بيقولوا على نفسهم اسلاميين وابناء المشروع الاسلامى ثم يتخذوا مواقف لا علاقة لها بالمنهج الاسلامى .
اسأل الله ان يستجيب لكى اختى فى دعائك امين .
عباس العبد
بالنسبة لموضوع فلسطين انا لم انكر اى بعد انسانى او اجتماعى او سياسى للقضية , لكن قلت ان البعد الاول والمحرك الرئيسى لنا كمسلمين يجب ان يكون هو البعد العقيدى , يعنى كمسلم اعلن تأييدى لكل المظلومين والمستضعفين فى العالم سواء كانوا فى افريقيا او امريكا اللاتينية او اسيا او اى مكان فى العالم , وسواء كانوا مسيحيين او وثنيين او اى ملة , لكن الوقوف بجانب فلسطين امر عقيدى بالاساس , لأن الامة المسلمة كل واحد لا يتجزأ , بمعنى ان لو الفلسطينيين جميعهم اجمعوا على الصلح مع الصهاينة والتنازل عن الحقوق لن تتغير مواقفنا تجاه القضية حتى تتحرر كل ارض فلسطين , فهمت قصدى ؟
انت عاوز تؤيد القضية لبعدها الانسانى دى حريتك الشخصية واهلا بيك برضه معانا , لكن ماينفعش نقول ان البعد الانسانى او السياسى هما جوهر القضية بالنسبة للأمة .
نقطة الاتفاق فعلا كلامك فيها سليم لكن ايه موضوع الخصوصية المصرية دى ؟ بصراحة مش متفق فيها اوى .
تحياتى
الاستاذ راجى
اتفق مع حضرتك فيما ذهبت اليه , بل ان ظهور هذا النوع من التوجهات العالمانية انما هو محاولة لركوب موجة الصحوة الاسلامية , يعنى لا يصطدموا بها وانما يحاولوا الالتفاف حولها , المهم الوعى والعلم ووضوح الرؤية هو دا اللى يعصم من الزلل والانحراف .
كريم عاطف
بالظبط اخى هما لا يستمدوا افكارهم وتصوراتهم من الاسلام , لكن عاوزين الاسلام يوافق ما لديهم , بالظبط مصطلح التفصيل هذا ملائم جدا لحالهم .
آبى
ايوة انا شفت الحكاية دى برضه ههههههههه فكرونى بالجماعة اليساريين ايام الستينات اللى كانوا بيثبتوا ان الاشتراكية من الاسلام .
جزاك الله كل خير
لكن ليه نخلى مصر اسلاميه
نخليها مصرية
والمسلم مسلم والمسيحى مسيحى
لكم دينكم ولى دينى
إرسال تعليق