الخميس، 4 يونيو 2009

تجميل صورة أمريكا

لمصلحة من تجميل وجه أمريكا القبيح بعد أن سقطت الأقنعة التى خدعت بها من قبل السذج والبسطاء وساعدها فى ذلك عملاؤها فى الداخل من المطبلين والمزمرين للهيمنة الامريكية من الساسة والنخب هل من مصلحة المسلمين تجميل وجه أمريكا ، الذى لم يدخر بوش وسعا فى اظهاره على حقيقته وإن كانت كلفة ذلك باهظة من دماء المسلمين وأرواحهم وحرماتهم ، بالألوان والمساحيق ؟ هل من مصلحتهم صرف أنظارهم وانتباههم عن عدوهم الحقيقى الذى يقف وراء حالة التقهقر والضعف والتردى والاستبداد والفقر التى يعيشونها ؟ هل من المصلحة السماح لها بالاستمرار فى ممارسة الكذب والنفاق والخداع ومد يد العون لها فى ذلك لتمضى قدما فى استغفال المسلمين ؟ وهل المصلحة فى أن ننخدع وتنطلى علينا الاكاذيب والمجاملات الخادعة؟ مما جاء فى التنزيل فى مثله : يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم . الآية
يذكرنى ذلك بما كان من ابن سلول الذى سن لنفسه سنة لم يسبقه إليها أحد من المنافقين ليبعد عن نفسه أي شبهة تدل على نفاقه وبغضه للإسلام وأهله فجعل لنفسه مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال‏:‏ أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله به، وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وصنع المنافق ما صنع في أحد، فقام يفعل كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا‏:‏ اجلس يا عدو الله، لست لهذا المقام بأهل‏.‏ قد صنعت ما صنعت‏.‏ فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول‏:‏ والله لكأني قلت هجرا أن قمت أسدد أمره .
فلماذا لا يكون لنا فى رسول الله وأصحابه أسوة حسنة لما أبوا أن يُستغفلوا من قبل أبى بن سلول وأشباهه من المنافقين
وها نحن نشهد دعايا جديدة من قبل عَبَدة " هُبَل " أو " عُزَّى " العصر الحديث ، ، وسدنتها , إذ تربطهم بها علاقة عشق ومودة وحضورهم على الساحة وبقاءهم مرهون بهيمنتها وسطوتها ، للترويج لهذا الوثن الذى يئس من أن يعبد فى بلاد المسلمين وباءت دعوته , بعد تحقيق بعض النجاحات , بالفشل كما مال نجمه ، على صعيد الهيمنة والسيطرة , للأفول وآلت دولته للزوال .
ان امريكا بعد تراجع قدراتها على مواصلة انتهاج اسلوب الصدام المكشوف مع العالم الاسلامى قررت ان تستعين ببعض استثماراتها طويلة الاجل فى امتنا والمتمثلة فى ذوى الياقات البيضاء وعشاق الحضارة الامريكية من بنى جلدتنا , وقررت مع وصول اوباما للحكم بدء حملة علاقات عامة واسعة لتجميل صورتها فى العالم الاسلامى دون تغييرها بالطبع , وكان خطاب اوباما فى جامعة القاهرة هو ذروة سنام هذه الحملة , فالرجل يجمل لنا غزوه لأفغانستان وقتل المدنيين والاسلاميين فى باكستان , ويدفعنا دفعا لتأييده والتصفيق له على هذه الحملة المباركة المظفرة , فالرجل يريد ان يحسن صورة العالم الاسلامى فى امريكا كما يدعى احباب امريكا , ويريد ان يتواصل معنا ويغيير من اسلوب التعامل , لكن لا يمكن القبول بهؤلاء "المتطرفين " الذين قتلوا الالاف من الامريكان فى نيويورك , فعلينا ان ننأى بأنفسنا عن هذه القلة القليلة ليفعل بها الامريكان ما شاؤوا لكى نحسن علاقاتنا بها , ولكى ننعم بالصورة الامريكية الجميلة الجديدة , كما ان الامريكان لن يقصروا فى رعاية الاف المشردين بالدولارات والمعونات وغيرها , فقط علينا ان نخلى بينهم وبين عناصر المقاومة والممانعة . اما فى فلسطين فلابد ان نتنبه الى خط احمر وهو العلاقة بين امريكا واسرائيل , علينا الا نحلم بالمساس به لكن يمكن الكلام فيما وراء ذلك , الرجل يعد بدولة فلسطينية جوار دولة اسرائيلية , فاليهود عانوا على مر العصور مقابل ستين سنة فقط من المعاناه الفلسطينية فيجب ان نتقبل وجود دولة يهودية مقابل هذه المعاناه , وعلينا أن نقبل بأكبر خرافة ألا وهى أنه لا يمكن ان تزول اسرائيل من الوجود ! ولا ادرى اى اختلاف هذا فى موقف اوباما عن سابقه بوش ؟ لكن لابد ان نستمع الى تنويه هام من أحد عشاق امريكا المدعو عبد الخالق عبد الله الذى طالعنا فى الجزيرة اليوم , فهو رصد نقطة غاية فى الخطورة وتطور درامى مذهل وتغير جذرى عميق وزلزال سياسى ضخم سيهز العالم اجمع فى الموقف الامريكى تجاه فلسطين فقط سجل لاوباما قوله " ان امريكا لن تدير ظهرها للفلسطينيين " , يا الله كم هو حنون هذا الامريكى الاسمر , كم هو شجاع وقادر على التعاطى بعدل وانصاف مع اخواننا فى فلسطين , ان قلوبنا قد ذابت لهذا التعاطف المطلق معنا .
ان من خلال تحليل خطاب اوباما فى جامعة القاهرة يمكن ان نقرأ بصورة جيدة كل الحملة الدعائية الامريكية الاخيرة , هناك محورين اساسيين فى التحرك السياسى الامريكى اولهما متعلق بالصورة الخارجية والادوات المستخدمة وثانيهما القضايا الصلبة , لقد قررت امريكان اتباع اساليب ناعمة وحريريه لتحقيق اهدافها , لكن موقفها الاستراتيجى فى القضايا الصلبة مازال على حاله لم يتغير , فمثلا الموقف من عناصر الممانعة فى الامة , نعم لم يعودوا ارهابيين لكنهم متطرفين يسيئوا للاسلام ولابد ان ندع اوباما بل ونساعده على ان يحسن صورة الاسلام بأبادتهم والقضاء عليهم , وفيما يخص ايران مازال الهدف هو منعها من امتلاك سلاح نووى , لكن بدلا من خوض حرب مفتوحة هو يقنعها ان هذا سيفتح سباقا للتسلح , وكأن هذا السباق لم يبدأ بامتلاك اسرائيل لرؤوس نووية , اما على القضية الفلسطينية فبعد ان اكثر من السكر والعسل طعمه بمقولات عن وجوب الامتناع عن المقاومة المسلحة فهى لن توصل لنتيجة , ودعوته للفلسطينيين ان ينتهجوا نهج السود فى امريكا وجنوب افريقيا , لكن لماذا يا سيادة الرئيس لا يصح ان ننتهج اسلوب الاباء المؤسسين الذين استشهدت بمقولات احدهم فى انشاء امريكا بالقوة المسلحة ضد الامبراطورية البريطانية ؟
ان الاحمق فقط هو من يظن ان هناك تغيرا حقيقيا فى السياسة الامريكية , مازالت اهداف امريكا الاستعمارية واحدة ولو اختلفت اساليبها , ومازال هدفهم فى القضايا الاساسية كلها ثابتا فقط تغير الشكل الظاهرى ليكون اكثر قبولا واسهل فى التمرير .
وقد يساعد على نجاح هذه الحملة الاعلامية عاملان مهمان , اولهما موقف الجكومات المرحب وبشدة وبعاطفة حقيقية بهذا النهج الامريكى الجديد , فالادارة الامريكية ادركت على من تضع رهاناتها , لقد اختارت جواد الحكام المستبدين وقررت الامتناع عن مضايقتهم بصداع الاصلاحات الديمقراطية والانتخابات الحرة , فالرجل تحدث صراحة عن عدم امكانية فرض لأى نظام ديمقراطى من الخارج وهو ما يتطابق بصورة كاملة مع نفس ردود النظم الحاكمة على المطالبات الامريكية فى السابق بمزيد من الحريات , ثانى العوامل التى يعول عليها لانجاح هذه الحملة هم مريدى امريكا الذين دعوا الامة الاسلامية لمزيد من الاعتدال والبعد عن التطرف والتشدد وترك الشعارات واتخاذ اوباما مثلا وقدوة , فالرجل يستشهد بالقران فهو يعلم الاسلام مثلنا وربما اكثر منا , ولعلهم فى هذا يقيسون على مدى علمهم بالقران , فلعل اوباما استشهد بايات من القران لم يعلموا انها منه , ولكن للأمانة العلمية فموقف هؤلاء ليس بالضرورة نابعا من املاءات خارجية بقدر ما هو نابع من حب حقيقى وايمان صادق بالحضارة الامريكية ووجوب الاقتداء بها والابتعاد عن امثال بن لادن والظواهرى والمتطرفين .
ومن الانصاف ان نعترف وبصراحة ان هذه الحملة يمكن ان تحقق بعض النجاح على الصعيد الشعبى لسذاجة الكثيرين وقله وعيهم , فمجرد ان يروا اوباما يستشهد بالقران ويقتبس من قصة الاسراء يجعلهم يفتتنون بهذا المظهر مثل افتتان العوام بلكنة احد الاجانب فى شوارع القاهرة وهو يقول الهمدولله او السلامواليكم , لكن وبكل وضوح نود ان نوضح للناس ان اوباما ماهو الا نابوليون اخر او لنقل مينو العصر الحديث , هل سنكون نحن على مستوى وعى المصريين وقت الحملة الفرنسية ونواجه هذه الحملة الامريكية ام ان السذاجة قد تغلغلت الى نفوسنا حقا؟

هناك تعليق واحد:

mido يقول...

http://dostor.org/ar/content/view/24042/64/