الجمعة، 17 أبريل 2009

الصلب والقيامة قراءة مغايرة

بمناسبة ما يسمى " اسبوع الالام " وعيد القيامة احببت ان اكتب بهذا الخصوص , ونحن وان كنا كمسلمين نستمد اعتقادنا فى المسيح عليه السلام بصفة عامة وفى مسألة صلبه خاصة من القران والسنة فان هذا لا يمنع ان نستخلص من النص الانجيلى فيما يتعلق بهذا الشأن رؤى مغايرة لتلك الرؤية التقليدية .
ان غياب المعايير العلمية الحاكمة لعملية اختيار النصوص الانجيلية افسح المجال لتدخل الاهواء والنزعات الشخصية سواء فى اختيار النصوص او فى فهمها , فلم تعد العقيدة تستمد من النص بقدر ما يتم اختيار النص الموافق للعقيدة , وهذا فتح الباب امام السلطة الكنسية ان تقمع وتكبت اى تصور مخالف لما تعتقده هى , بل وحتى التلاعب بالنصوص بما يحقق هذه الغاية واختيارها للأناجيل التى تدعم توجهاتها العقدية بأقصى درجة ممكنة مع تصرفها بشكل أو بـآخر فى ما يتعارض مع تلك التوجهات فى تلك الأناجيل .
وهذا نلمسه بوضوح فى كثير من المسائل الجوهرية فى الاعتقاد المسيحى , فألوهية المسيح مثلا تجد لها فى اسفار العهد الجديد ما يعضد القول بها وتجد فيها ايضا ما ينفيها بالكلية ويؤكد حقيقة ان المسيح لم يقل يوما بألوهيته , وهذا الرأى الاخير ليس رأينا الشخصى بل هو رأى كثير من الاكاديميين المتخصصين فى هذا المجال فضلا عن بعض الطوائف فى قديم الزمان وحديثه كالأريوسية و اليونيتاريانز Unitarians , فبعد ان كان الغالب فى عصر الحداثة لدى المفكرين العلمانيين ان المسيح انما قال بما يفيد الوهيته من منطلق تجليات صوفية ظن من خلالها ان الله قد حل ,,واتحد به حقا (1) , فقد صار الان هناك تيارا معتبرا بين الاكاديميين يعتقد ان طائفة الابيونيين الموحدين القائلين ببشرية المسيح وهم من يسمون باليهود المتنصرون ويمثلون تيار النصرانية اليهودية Jewish Christianity هى الاكثر اخلاصا للتعاليم الاصلية للمسيح وانهم كانوا يمثلون التيار الرئيسى فى كنيسة اورشليم حتى تم تهميشهم من قبل اتباع شاول الطرسوسى خصوصا بعد خراب الهيكل وتشتت سكان اليهودية (2) .
وفى مسألة زواج المسيح من مريم المجدلية , وهو ما يفسر مرافقتها له هو اتباعه من الحواريين , دليل اخر على هذه الرؤى المتوازية التى تحويها الاناجيل وتوضح الاساليب التى اتبعتها السلطات الكنسية فى قمع كل التيارات والرؤى الاخرى , فقد جاء فى انجيل فيليب الذى تم العثور عليه ضمن اوراق نجع حمادى ان مريم المجدلية كانت رفيقة المسيح وكان معتادا ان يقبلها من فمها وكان يبرر محبته لها اكثر من باقى التلاميذ بعظمة سر الزواج (3), ولكن هذا الانجيل لم يعتبر من الاسفار القانونية بالطبع , وفوق هذا ذهبت الكنيسة الى ابعد من ذلك مبالغة فى دفع " تهمة " الزواج عن المسيح باتهام مريم المجدلية بأنها كانت عاهرة ( راجع الموسوعة البريطانية الموجزة Concise Britannica بند : مريم المجدليةMary Magdelene ) ويقتفى أثر هذا التقليد الى البابا جريجورى (4), لأن زواج المسيح ينسف العقيدة المسيحية بأعتبار ان الشهوة هى ثمرة الخطية فكيف يكون المسيح مخلصا للبشر بينما هو نفسه حامل لثمار الخطية , فلجأوا الى رفض هذا الانجيل اضافة الى تشويه صورة مريم المجدلية , فلا يمكن ان يقبل مؤمن ان يتزوج المسيح عليه السلام بأمرأة زانية .
ولا تعد مسألة صلب المسيح وقيامته استثناءا من هذا النزعة , فيمكن من خلال الرواية الانجيلية ان نستخلص رؤية مغايرة لتلك الرؤية التقليدية المعتمدة لدى جمهور المسيحيين , فغياب الدليل القاطع على موت المسيح عند صلبه فى الرواية الانجيلية بل غياب ما يفسر ذلك لدرجة أن " بيلاطس " الحاكم الرومانى تعجب من أنه مات هكذا سريعا ! تدفع باتجاه القول بان المسيح لم يمت على الصليب انما تعرض لاغماءة Vagal syncope وهو الإغماء الشائع الذي يعانيه الأشخاص الأسوياء كلما تعرضوا لاستثارة انفعالية مفاجئة كالخوف والألم والقلق والخمود والتقزز. ومن أسبابه الغالبة مشاهدة حادث عنيف أو منظر مخيف، كرؤية الدم النازف من جرح أو من إبرة وريدية، أو مشهد مقزز، أو سماع خبر مرعب ومؤثر. ويؤهب لهذا الإغماء الجو الحار المغلق والجوع والوقوف المديد.
ويحدث هذا النوع من الاغماء دوماً والشخص واقف أو جالس ولا يحدث أبداً والشخص مستلقى، ويشعر قبيل الإغماء بأنه «ليس على ما يرام» وأنه مصاب بالدوار تميد به الأرض وتهتز حوله الأشياء وتتراقص أمام عينيه بقع. ويشحب وجهه ويغشى بصره ويشعر بطنين في أذنيه كما يشعر بالغثيان، ويغطي جسده عرق بارد، وترتخي عضلاته ويتداعى إلى الأرض ببطء يسمح له باتقاء الأذى عند سقوطه على عكس النوبَة الصرعية، ويفقد الوعي لثوان أو دقائق وأحياناً أكثر.
ويكون النبض في أثناء هجمة الإغماء ضعيفاً أو معدوماً وضغط الدم منخفضاً والتنفس بطيئاً وخافتاً، ويبدو الشخص بشحوبه ولونه الترابي واتساع حدقتيه ونقص وظائفه الحياتية كالميت (5).
ومثل هذه الاعراض قد تشتبه على كثيرين فيظن ان المسيح قد مات بالفعل , وهنا يأتى دور اتباعه المخلصين وعلى رأسهم نيقودموس الذى كان احد افراد الطائفة الاثنية وكان خبيرا فى فن المعالجة , فقام بمداواة جراحه حتى استرد وعيه تدريجيا , وهذه الرؤية فضلا عن كونها وردت بأحد الاناجيل والذى يسمى " رواية الصلب بواسطة شاهد عيان " (6) وتحدث عنه جودسبيد فى كتابه الموسوم ب “ strange new gospels “ فقد تبناها عدد من اتباع المذهب العقلانى من امثال Paulus واعاد احيائها Hase فى القرن التاسع عشر وذلك فى كتابه ( تاريخ المسيح ) (7) . و ذلك خلافا للتأويل القائل بأن أشياع المسيح وتحت وطأة اليأس من الفشل الذى منيت به دعوة المسيح " وفق تصورهم " قاموا بسرقة جثته وأشاعوا أنه قد قام من بين الاموات ** .
وقد ذكرت دائرة المعارف الكتابية تحت عنوان ( الصليب ) ان يوسيفوس قد سجل حالات لاشخاص تم تعليقهم على الصليب ولكنهم نجوا رغم جراحهم الخطيرة التى كانوا يعانون منها بعد عدة ساعات من التعليق على الصليب (8) .
ولكن الادلة التى تستند اليها هذه الرؤية لا تقتصدر فقط على هذا بل حتى على الرواية الانجيلية فقد كان المسيح حريصا عند لقائه بتلاميذه مرة اخرى بعد ما سمى بالقيامة على التأكيد على انه ليس روح انما هو لحم وعظام , فقد كان فى الاعتقاد اليهودى ان القائم من الموت انما يكون اجساما روحانية ( 1 كورنثوس 15 : 44 ) فحرص المسيح على ان يظهر لتلاميذه وعلى رأسهم توما المتشكك انه جسد بشرى يأكل السمك والعسل ويحوى اللحم والعظم ومازالت آثار المسامير والجراح على جسده انما هو دليل قاطع على ان المسيح لم يذق الموت وان فكرة القيامة انما هى محض خيال .

ولو فحصنا الرواية الانجيلية بخصوص الصلب لوجدنا فيها كما من التناقضات يجعل الاعتقاد بنقاء النص امرا مستحيلا , فكم التعارض بين الروايات لا يشى الا بحقيقة واحدة وهى تدخل وعبث كثير من الايدى فى هذه الرواية , وبالتالى فلا يمكن التعويل كثيرا على قطعية القول بصلب المسيح فى الرواية الانجيلية , والقول فى الادلة الكتابية التى تروى عن المسيح او احد الحواريين بأنه قد صلب فعلا يمكن تفسيرها او تعليلها بما يعللون به التناقض بين ساعة الصلب عند كل من مرقس " اى الساعة الثالثة" و بعد الساعة السادسة عند يوحنا حيث ورد فى انجيل مرقس
مر 15:25 وكانت الساعة الثالثة فصلبوه.
بينما ورد فى انجيل يوحنا انه حتى الساعة السادسة لم يكن قد صلب بعد
يو 19:14 وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة.فقال لليهود هوذا ملككم.
15 فصرخوا خذه خذه اصلبه.قال لهم بيلاطس أاصلب ملككم.اجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك الا قيصر.
16 فحينئذ اسلمه اليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به
وهنا يقدم لنا القمص يعقوب تادرس ملطى تبرير يستحق ان ننتبه اليه
حيث يقول فى تفسير الاصحاح 15 لانجيل مرقس
"حسب القديس مرقس بدأ الصلب منذ صرخ الشعب أمام بيلاطس "أصلبه"، وقد وافقهم بيلاطس على طلبهم. وإن كان رفعه على الصليب قد تم في وقت الساعة السادسة. لهذا يرى القديسان جيروم وأغسطينوس أن القديس مرقس بقوله هذا حمل الشعب اليهودي مسئولية صلبه، صلبوه بألسنتهم قبل أن ينفذ الرومان حكمهم هذا. "
اى انهم صلبوه بالسنتهم حقا
او باصطلاح المسلمين نووا صلبه و الاعمال بالنيات!!
فاية كتلك صريحة فى صلبه الساعة الثالثة يحملونها على انهم اصدروا عليه الحكم او هتفوا بصلبه فعلي هذا ينبغى لهم ان يحملوا سائر الشواهد الكتابية التى تقول بصلب المسيح!!
يقول ادم كلارك ان الساعة السادسة هى خطأ من الكاتب لان الفرق بين الثالثة و السادسة فى اليونانية ضئيل " مع العلم انه لا توجد مخطوطة من المخطوطات التى يفخر المسيحيون بكثرتها لفظة الثالثة بدل من السادسة" و على هذا النص فى انجيل يوحنا لا بد ان يكون هكذا
وكان استعداد الفصح ونحو الساعة الثالثة.فقال لليهود هوذا ملككم.
40 فصرخوا خذه خذه اصلبه.قال لهم بيلاطس أاصلب ملككم.اجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك الا قيصر
و هذا لا يزيل التناقض
لانه فى انجيل يوحنا انه حتى الساعة الثالثة "وفقا لرأى كلارك"لم يكن قد صلب بعد بينما فى انجيل مرقس انه صلب بالفعل الساعة الثالثة
و بين قول بيلاطس لليهود هوذا ملككم و ضراخهم و بين صلب المسيح فترة لا شك لاتقل عن نصف الساعة او حتى ساعة
و يدعم ذلك قول يعقوب ملطى فى تفسير الاصحاح 19 لانجيل يوحنا
تحدث الإنجيلي مرقس (15: 25) عن صلب السيد المسيح في وقت الساعة الثالثة حيث حسب الصلب منذ بدأ جلد السيد، أما الإنجيلي يوحنا فحسبه وقت الساعة السادسة حيث بدأ رفعه على الصليب . انتهى
و يستشف من هذا انه لا يرى باسا فى ان الفرق بين هتاف اليهود بصلبه و قول بيلاطس هوذا ملككم من ناحية و رفعه على الصليب من ناحية ثلاث ساعات"و هذا تاويل اخر كمحاولة لازالة التناقض"
و مع ذلك فنحن لا ننفى وقوع التبديل فى الكتب التى بين ايديهم و تلفيق الشهادات الى الحواريين او المسيح

وكما ذكرنا بخصوص مسألة الوهية المسيح وان خراب الهيكل وتشتت اليهود واتباع كنيسة اورشليم كان السبب فى تهميش دور كنيسة اورشليم من قبل الامميين فربما كان هو نفس السبب فى ترسيخ عقيدة الصلب والقيامة , فالبشر بطبيعتهم ميالين للخرافة , ومع اختفاء الحقائق وانقطاع المعلومات وذهاب الجيل الأول تمت اسطرة مسألة نجاة المسيح لتتخذ بعدا آخر يشمل الموت والقيامة وما استتبعها من اعتقاد بالخطيئة والكفارة , وهذا انما يعد تأثرا بعقائد سابقة على زمن المسيح بكثير , فهناك الاسطورة السومرية ( هبوط انانا الى العالم الاسفل ) التى تشرح كيف اختارت انانا ان تقوم بتضحية وتنزل الى عالم الاموات وتلبث فيه ثلاثة ايام ثم تعاد الى عالم الاحياء , اضافة الى الاسطورة الاكادية الخاصة بعشتار والشبيهة بها ايضا , اضافة الى الاسطورة الارامية الخاصة ببعل و اسطورة صلب كريشنا فى الهند عام 1200 ق م و صلب ميثرا فى فارس عام 600 ق م 9, وكل هذا الجو المشبع بديانات الاسرار وجيش الالهة المخلصين كان له اثر فى تحور وتحول اعتقاد اتباع الديانة المسيحية من ابناء الامم الوثنية تجاه المسيح عليه السلام , وبالتالى صعدت الاسطورة الى القمة بعد ان اندثرت الحقيقة او تم دفنها .

الهوامش :

1- Cambridge history of christianity , V 1 , Origins to Constantine , p. 17

2- Hyam Maccoby (1987). The Mythmaker: Paul and the Invention of Christianity. HarperCollins. pp. 172–183
c Hans-Joachim Schoeps (1969). Jewish Christianity: Factional Disputes in the Early Church. Translation Douglas R. A. Hare.
Robert Eisenman (1997). James the Brother of Jesus: The Key to Unlocking the Secrets of Early Christianity and the Dead Sea Scrolls. Viking. pp. 5–6
James Tabor (2006). The Jesus Dynasty: A New Historical Investigation of Jesus, His Royal Family, and the Birth of Christianity. Simon & Schuster.


3 - مكتبة نجع حمادى الطبعة الانجليزية ص 138

4 - Kripal, Jeffrey John. (2007), written at Chicago, The Serpent's Gift: Gnostic Reflections on the Study of Religion, The University of Chicago Press, ISBN 0226453804 ISBN 0226453812.
Kripal, 2007, p. 52.

5- WEISSLER & WARREN, Syncope & Shock in the Heart, 4th ed. (Mc Graw- Hill 1978
نقلا عن الموسوعة العربية

6- , p 33 EDGAR J. GOODSPEED , STRANGE NEW GOSPELS
7- EDGAR J. GOODSPEED , STRANGE NEW GOSPELS p 39
8- The International Standard Bible Encyclopedia , CROSS
وقد ذكر يوسيفوس ما نصه :
And when I was sent by Titus Caesar with Cerealins, and a thousand horsemen, to a certain village called Thecoa, in order to know whether it were a place fit for a camp, as I came back, I saw many captives crucified, and remembered three of them as my former acquaintance. I was very sorry at this in my mind, and went with tears in my eyes to Titus, and told him of them; so he immediately commanded them to be taken down, and to have the greatest care taken of them, in order to their recovery; yet two of them died under the physician's hands, while the third recovered.(Josephus, Vita, 75)
9- فراس السواح , مغامرة العقل الاولى .
ويمكن ايضا مراجعة :
kersey graves , the world's sixteen crucified saviors
* ولمزيد من التفصيل بخصوص الادلة الداعمة للنظرية التى عرضناها والمفندة للرؤية التقليدية الدخول على هذا الرابط .
**
The natural
explanation for the resurrection claims was that the disciples stole the
body, and, out of disappointment at the failure of Jesus’ mission, altered
the entire doctrine
Cambridge history of Christianity,V 1 , p . 16

هناك تعليقان (2):

طائرٌ حر يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
طائرٌ حر يقول...

أحييك بشدة على هذا المقال.. و أستأذنك أن أستفيد منه في الرد على بعض النصارى.

جزاك الله خيرا و نفع بك..

و سأكون سعيد بك لو زرت مدونتي المتواضعة