منذ زمن كتب الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيرى مقالة رائعة عن الطبيعة الاستهلاكية التى تغزو مصر , وقد ضرب لها مثلا بالمركز التجارى المسمى بسيتى ستارز , وقد كان غاية تصورى عن سيتى ستارز انه مول تجارى تتجمع فيه محلات تابعة لماركات عالمية تعرض بضائع عالية الجودة وعالية السعر ايضا ,وربما يكون فيه بعض المطاعم , وربما قليل من المراكز الترفيهية , وكان تصورى انه ربما لا يختلف كثيرا عن كارفور , وكنت ارى بناءا على تصورى هذا ان الدكتور المسيرى محق فى ابداء القلق من حالة السفه والطبيعة الاستهلاكية التى تتجه اليها شرائح معينة من الشعب المصرى .
ففى كارفور مثلا رأيت تحفة كريستالية يبلغ ثمنها 17000 ( سبعة عشر الف ) جنيه على شكر سفينة , وكانت رائعة فعلا , ورغم اقرارى بروعتها الا اننى رأيت انه سعر لا يمكن ان يدفع فى تحفة فنية توضع ليشاهدها صاحبها , وكان هذا هو سقف تخيلاتى عن حالة السفه التى تكلم عنها الدكتور المسيرى.
الا اننى عندما ذهبت لسيتى ستارز عرفت انه حتى الخيال البشرى له حدودا , فرأيت اشياءا لم اصدم لمشاهدتها , نعم جميلة ورائعة لكنها ليست اكتشافات علمية وحضارية هائلة , ليست تلك المنتجات التى نقف امامها فاغرى الافواه من الدهشة والاستغراب , فمثلا طقم للشاى بسعر يتجاوز 7000 ( سبعة الاف ) جنيه لماذا؟ فى بيتنا اكثر من طقم للشاى وكلها تصلح لاداء المهمة بكفاءة رائعة , بل ان اكواب الزجاج تؤدى المهمة منذ سنوات دون ان يعتريها الملل او السأم , فلماذا يدفع انسان هذا المبلغ لكى يشرب الشاى؟
ولكن ما صدمنى حقا ان اشاهد تليفزيونا صناعة يابانية ماركة باناسونيك مساحته 103 بوصة , وصورته رائعة وجذابة ومبهرة ايضا , لكن ان يكون ثمنه 199000( مائة تسعة وتسعون الف ) جنيه فهذا مالا يمكن ان اتصوره ابدا .
ماذا يمكن ان يقدم هذا التليفزيون زيادة عن جهاز ثلاثين بوصة ونفس الماركة ولكن بسعر يقل عن 10000 جنيه؟ بل ماذا يقدم زيادة عن اى جهاز نمتلكه فى بيوتنا ؟
وهل حقا يوجد فى مصر اشخاص يمكن ان يدفعوا هذا المبلغ فى جهاز تليفزيون؟ يبدو ان هناك اناسا فى مصر لا نراهم ابدا ولا نعرف كيف يعيشون , ولا يمكن ان نقول فى وجود مثل هؤلاء ان مصر فقيرة , لكن هل حقا يدفع مثل هؤلاء الضرائب؟ هل يتذكرون دفع الزكاة للفقراء؟ لو ان الذين سيشترون هذا الجهاز قرروا التنازل قليلا والاكتفاء بجهاز فى نصف المساحة وقدموا باقى الثمن لأوجه الخير لربما شاهدنا انجازا تحقق فى مجال ما .
لكن ما اثار استغرابى حقا ان يوم المشترى بنقل هذا الجهاز فى سيارة مخصصة للنقل سعرها سيكون حتما اقل من هذا التليفزيون .
وهنا طرأ على ذهنى خاطر مخيف , ماذا لو اننى تعثرت وسقطت وكسرت الجهاز؟ سوف اضطر لبيع الشقة لكى اوفى بثمنه لأن كلمة اسف لن تكون كافية فى مثل هذه المواقف , وهنا سارعت الخطى خارج المحل خوفا من وقوع مكروه ।
"ان كان مجد الله قد ازداد بكذبى فلماذا ادان انا كخاطىء "رومية 3 :7
هل يمكن ان نلوم الكنيسة على اتباعها مبادىء بولس فى مداراة فضيحتها المتعلقة بقضية كاميليا شحاتة؟
بالطبع هذا موقف يستحق الثناء من كنيسة حريصة كل الحرص على اتباع تعاليم كتابها حذو النعل بالنعل , فبعد ان كذبت ابتداءا على لسان مطارنتها وقسوسها بإدعاء انها اخطتفت لأسلمتها ثم ثبت كذب هذا الادعاء لم تتوقف الكنيسة عن تغطية اكاذيبها بأكاذيب اخرى .
وبعد ان تم للكنيسة مرادها بأن سلمتها لها الدولة رغم كل الشرائع والقوانين كانت ردة الفعل غير المتوقعة من المسلمين , اذ نزلوا للتظاهر بالالاف , ولم تكن مظاهرة ومرت مرور الكرام انما كانت وقفات تتصاعد فى قوتها تدريجيا فمن عشرات الشباب الى عشرات الالاف كما شاهدنا فى وقفتى مسجد القائد ابراهيم وعمرو بن العاص , بما كان ينذر بمزيد من التوسع فى المظاهرات بصورة هزت اركان الكنيسة , ورغم غطرسة نظير جيد ومكابرته ومحاولته التعالى على المسلمين كما تعود دائما الا ان ردة الفعل هذه المرة كانت قوية فلم يقو على الثبات واسرع صبيانه للتصرف فكان الحل فى الكتاب المقدس وتعالم بولس الرسول :
ان كان مجد الله قد ازداد بكذبى فلماذا ادان انا كخاطىء
وكان اصدار التسجيل المصور الذى زعموا انه لكاميليا شحاتة
وكان للكنيسة هدفين من هذا التسجيل الاول هو النصارى الذين بدأوا يفقدوا قدرتهم على الصمود امام ضغوط العقل والمنطق المطالبة بأظهارها للرأى العام وشعورهم ان الكنيسة تجاوزت دورها الروحى واصبحت مؤسسة يلف الغوض طبيعة الأدوار التى تقوم بها و تتسلح بأساليب مشبوهة .
والهدف الثانى هو المسلمين الغاضبين لكى تهدئهم وتدخلهم فى حيرة من امرهم .
لكن لم يفت الكنيسة ان ظهور تسجيل ملفق على الملأ سوف يثير تساؤلات كثيرة ومهما بلغت براعة الكذب والتلفيق فكما يقال الكذب ليس له أرجل , فكان الذكاء فى طريقة عرض الفيديو , فتم تسريبه بصورة غير علنية , بحيث اذا تم فضحه ولم يبتلعه المسلمون تنفى الكنيسة مسئوليتها عنه وتتنصل من تهمة التلفيق , واذا ابتلعه المسلمون فقد حقق المراد منه واغلق الملف .
ويبدو ان ما تحسبت منه الكنيسة قد وقع حقا , فالمسلمون لم يبتلعوا الطعم , وكيف يبتلعوه وهم لايخدعهم الخِب , وقد كنت اضحك كلما قرأت تعليقا يفند صدق التسجيل , وكانت الملاحظات دقيقة وقوية وحاسمة بصورة تجعل المرء يضحك على سخف الكنيسة وغباء المسئول عن هذا التسجيل , وسوف نستعرض بعض هذه الادلة التى تطعن فى صحة التسجيل :
اولا : الاسنان :
من المعروف ان الاسنان من الاشياء الثابتة التى لا تتغير بمرور الزمن وحتى بعد الوفاة , فمن كانت اسنانه معوجة تظل معوجة الا اذا اجرى عملية تقويم , ومن كانت اسنانه مصفوفة بشكل منتظم تظل كذلك الا اذا كسرت , واسنان كاميليا شحاتة من واقع الصور كانت مصفوفة بشكل منتظم , لكن اسنان الدوبلير كانت معوجة بصورة غريبة ومضحكة ايضا , وطبعا لا يمكن تصور ان كاميليا اجرت عملية جراحية مكلفة لكى تشوه اسنانها هذا بفرض وجود مثل هذه العملية ।
ثانيا : الحسنة على الذقن :
ظهر جليا فى كل الصور التى لكاميليا سواء الخارجية او المصورة داخل ستوديو ان ذقنها خال من اى علامات فيه , لكن الدوبلير كانت ذقنها بها حسنة على يمين المشاهد بصورة واضحة , وهذه الحسنة كشفت عن سوءة الكنيسة !।
ثالثا نسبة ابعاد الوجه الى بعضها :
فطول الوجه من مفرق الشعر الى أسفل الذقن تظل نسبته الى عرضه من الاذن للأذن او ما بين زاويتى العينين الخارجيتين ثابتة , فلو قارنا بين نسبة طول وجه الدوبلير الى المسافة بين زاويتى العينين الخارجيتين لوجدنا النسبة حوالى 2.06 , اى ان طول الوجه تقريبا ضعف المسافة بين الزاويتين او اكثر قليلا .
اما فى صور كاميليا المنشورة سابقا سنجد ان تلك النسبة حوالى 1।8 .
رابعا وقت عملها بالمدرسة :
ذكرت الدوبلير فى معرض تكذيبها لخبر اسلامها منذ عام ونصف ومعرفة زملائها بهذا انها تعملفى المدرسة منذ مدة سنة او اقل من سنة , بينما فى عقد العمل الذى ظهر انها التحقت بالعمل فى المدرسة منذ شهر مارس عام 2008 اى لهافى المدرسة اكثر من عامين ।
وهناك ملاحظات اخرى كثيرة مثل غلظة شفاه الدوبلير بعكس كاميليا , وكذلك انحراف العين اليسرة للدوبلير داخليا وغياب مثل هذا الحول فى كاميليا , وطبعا مثل هذه الملاحظات ليست مبالغة او فذلكة , لكن ادلة قطعية , والا فيكفى المرء ان ينظر الى الاثنين نظرة عادية ليقتنع انهما شخصين مختلفين .
وبالطبع لا يمكن اغفال نقاط مهمة اخرى اولها طبيعة تسريب التسجيل وعدم تصدى الكنيسة لتحمل تبعاته , وثانيها تأخر صدور مثل هذا التسجيل وثالثها وهو الاهم انه مادامت كاميليا قد ظهرت فلماذا لم يكن ظهورها على الهواء مباشرة ؟
وقد يسخر البعض من هذه الاعتراضات الكثيرة ويقول انها هى بالفعل ويقنعنا انها هى , وان الاحمق وحده الذى يعانى من الوساوس السمعية والبصرية سيقتنع بمثل هذه الاعتراضات , واحب ان اذكر قصة طريفة شهيرة وهى قصة ملابس الامبراطور الجديدة , فيحكى ان احدهم ذهب لأمبراطور الصين ليقول له انه سيصنع له ملابسا لا يراها الاغبياء , واخذ مقابل ذلك مبلغ ضخم من المال , وبعد فترة ذهب الى الامبراطور يتصنع انه يحمل الملابس ثم تصنع انه يلبسه اياها , ولم ير الامبراطور شيئا ولم ير كذلك احد من حاشيته , لكنهم تظاهروا بأنهم يروا الملابس ويبدون اعجابهم بها لكى لا يقال عنهم انهم اغبياء , وخرج الامبراطور على الشعب عاريا , وابدى الشعب اعجابه بالملابس التى لا يراها خوفا من ان يقال عنه انه غبى , ثم خرج طفل ليقول ان الامبراطور يقف عاريا , ففهم الجميع انهم كانوا هم الاغبياء .
طبعا ان هذا التصرف من الكنيسة مثير للضحك والرثاء , وهى افضل "عيدية " قدمتها لنا الكنيسة مع حلول عيد الفطر المبارك , اذ ان الرسالة التى وصلتنا ان الكنيسة قد ارتعدت فرئصها وزلزلت زلزالا شديدا من ضغوط المسلمين وانتفاضتهم .
شاهدنا فى الفترة الاخيرة حالة من الهياج النصرانى فى مصر بصورة غريبة , فمن تظاهرات متعددة لأسباب متنوعة الى عمليات قتل منهجية ومخططة وانتهاءا بخطف لفتيات مسيحيات اسلمن مؤخرا , وصاحب هذه الممارسات الارهابية من نصارى مصر حملة منظمة على الاسلام رموزه من تهجم على صحيح البخارى وسب للصحابة وسخرية منهم فى الصحف التى يمتلكها رجال اعمال نصارى او يرأس تحريرها صبيان لبعض رجال الاعمال النصارى , وكانت اخر هذه العمليات الاعلان القذر الذى تصدر جريدة اليوم السابع مؤخرا .
وبالطبع من السذاجة ان نتصور ان كل هذا مجرد صدفة لا اكثر , فالمسألة شديدة التنظيم والتزامن بصورة تجعل التصور الاقرب للعقل هو ان هناك عقل مدبر لكل هذه التصرفات , فالكنيسة تشعر ان الدولة رخوة والنظام رهن كل ما فى مصر بملف التوريث , فهو يقدم التنازلات على بياض فى كل المجالات مقابل اتمام التوريث , ففى فلسطين ولبنان والعراق يقف فى الصف الامريكى بوضوح وبدون مواربة , وفى السودان وحوض النيل صار اعجز من ان يفعل شىء , وعلى الصعيد الداخلى حدث ولا حرج , فالنهب المنظم لأراضى الدولة يجرى على قدم وساق , والفساد يضرب اطنابه فى كل مجالات الحياة , اما الداهية الكبرى فهى التراخى فى الملف الطائفى , فالنصارى منذ سيطرة عصابة شنودة على الكنيسة - بغية تحقيق اهداف سياسية عبر السيطرة على الكنيسة صاحبة السلطة الروحية على نصارى مصر – وهى تسعى بدأب على اشعال الفتنة الطائفية فى مصر بزعم تحريرها من الاحتلال الاسلامى المزعوم , وتستغل حاجة النظام الى الدعم الامريكى لاستمراره فى الحكم لكى تحقق المزيد من المكاسب الطائفية , وهذه المساعى فى الحقيقة تثير حنق المسلمين وغضبهم لما فيها من الاستفزاز وتعمد الاهانة , فكلنا يذكر حادثة المسرحية الشهيرة فى الاسكندرية ورفض البابا والكنيسة الاعتذار , بل ان المدعو هانى عزيز خرج علينا ليقول ان البابا اكبر من هذا , ولا ندرى اهو اكبر من المسلمين ام الاسلام ام من مصر؟
ان الحل الحقيقى يكمن فى التغيير الحقيقى للنظام فى مصر , ففى ظل نظام قمعى استبدادى ضعيف شعبيا يستمد قوته من الخارج لن ينصلح الحال , فيجب على كل الغاضبين من هذه الحملة الصليبية المسعورة على الاسلام فى مصر ان يدركوا وجوب السعى نحو تغيير النظام لنؤسس لنظام حر مفتوح يحترم حقوق الشعب ويحرص على مصالحه , نظام يحترم حقوق الانسان الاساسية وحريته فى التعبير , نظام يسمح للجميع بالحركة ولا يسمح للمنصرين المحميين من الكنيسة والخارج بينما يعتقل الشباب المسلم الذى يدافع عن دينه , فيجب على الدعاة والشيوخ ان يتخلوا عن الحالة الارجائية التى يعيشونها , وان يتخلوا عن عقيدة طاعة ولى الامر فهى لا تصلح مع الحاكم المحارب للشرع والموالى للغرب , فيجب ان يطور الدعاة والعلماء خصوصا اهل السلف اصحاب الجمهور الاوسع فى مصر , والا فلتشبعوا من ممارسات ولى الامر .
اتحفتنا جريدة الشروق المصرية منذ يومين على موقعها الالكترونى بموضوع يشبه الاستفتاء على احد حدود الله وهو حد الرجم للزانى المحصن , وطبعا لن اتطرق للأدلة القاطعة على هذا الحكم , فمن اراد ان يتثبت فليبحث على الشبكة العنكبوتية , لكن هناك ظاهرتين اود رصدهما فى هذه المحاولة الاخيرة : اولهما : هو الالحاح العالمانى فى الاونة الاخيرة للطعن فى كل ما هو مسلم , وهذا كان شاملا لكثير من وسائل الاعلام التى ترفض كل ما هو اسلامى بحجج كثيرة , حتى انى اقول انى لمست صراحة تصل لدرج الوقاحة فى الهجوم على الاسلام , ورغم انى ابلغ من العمر مايزيد عن ربع قرن الا انى لم اشهد وقاحة وتجاوزا وضراوة فى الهجوم على الثوابت الاسلامية كما شهدتها فى الفترة الاخيرة , ولا انكر ان الهجوم على الاسلام كان اشد قوة وشراسة فى فترات ماضية من القرن الماضى , ولعل هذه الظاهرة يفسرها اقتراب مصر من مرحلة تحول كبيرة فى المجال السياسى بما يمهد لتغير الخريطة السياسية وموازين القوى فى البلد , فقد تعود العالمانيون ان الاسلاميين موقعهم الطبيعى فى المعتقلات , ولكن مع اقتراب مصر من التحرر من النظام القمعى - رغم يأس البعض من تحقق هذا - فهم يريدون ان يمهدوا للمعركة القادمة مع الاسلام بتشويه متعمد لكل الثوابت قبل ان نكون فى عصر مفتوح امام الجميع لأبداء رأيه । اما الظاهرة الثانية فهى ردة الفعل المباركة من قراء ومتصفحى الموقع , فقد شاهدت مايفوق المائتى تعليق غالبيتها العظمى تدين طرح مثل هذا الموضوع للأستفتاء , وبصراحة بقدر ما صدمتنى وقاحة جريدة الشروق فقد افرحنى رد الفعل الرائع من القراء , وهذا دل على حقيقة قوة ورسوخ الاسلام فى نفوس ابناء الامة । وفى النهاية احب ان اقول ان بعض المعلقين طرح فكرة مقاطعة جريدة الشروق اذا لم تحذف هذا الموضوع وانا اؤيد هذه الدعوة تماما ।
كما تعتمد الكنيسة المصرية فى تثبيت ايمان اتباعها على الخرافات والاساطير من نوعية ظهورات العذراء ومعجزات اخراج الشياطين ومعجزة حمامة البابا Pop’s dove فانها ايضا تعتمد فى تحركاتها السياسية على ترسيخ مجموعة من الاساطير لتعمل كأسس لهذه التحركات السياسية بغية الوصول لأهدافها التى حددتها سلفا , وعلى غرار كتاب المفكر الفرنسى روجيه جارودى فاننا سنستعرض هذه الاساطير التى تعمل الكنيسة على اساسها , وتنقسم هذه الاساطير الى قسمين :
الاساطير التاريخية :
1- اسطورة التسامح الكنسى :
لا تمل الكنيسة من ترديد اكذوبة مفادها ان المسيحية انتشرت فى مصر عبر التسامح والمحبة , وان الكنيسة المصرية كانت مثالا ونموذجا لهذا التسامح وراعية له , وهى لا تستند فى هذا الى اى حقائق تاريخية بل الى اخفاء حقائق التاريخ المصرى قبل دخول الاسلام مصر , واى قارىء فى التاريخ المصرى قبل دخول الاسلام سيكتشف حقيقة ان الكنيسة مارست عمليات اضطهاد ضد المخالفين لها فى العقيدة من الوثنيين والمسيحيين بصورة لا تقل بشاعة عما مارستها شقيقتها الكنيسة الكاثوليكية فى القرون الوسطى , فقد كانت عمليات هدم المعابد الوثنية والمسيحية ومطاردة اتباعهم وانزال المذابح المتتابعة عليهم فى كل ارض مصر من الاسكندرية حتى اقصى الصعيد .
2- اسطورة انتشار الاسلام بالاكراه :
واكمالا للأسطورة السابقة تحاول الكنيسة ترسيخ فكرة أن الإسلام انتشر بالإكراه من خلال فرض الجزية او من خلال التهديد والوعيد , ولسنا هنا بصدد تفنيد شبهات بقدر ما نهدف الى توضيح اهداف الكنيسة من خلال ترسيخ مثل هذه المفاهيم , فهم يريدون توصيل فكرة ان المصريين اختاروا المسيحية عن قناعة ثم اجبروا على الدخول فى الاسلام , وعليه فان الاسلام يجب ان يمحى وتحل محله النصرانية حتى تعود الامور الى نصابها .
3- اسطورة القبط والمسلمين :
دائما ما تلح علينا الاصوات التى تتكلم عن الاقباط والمسلمين وعلاقة الاقباط بالمسلمين , وللأسف كثير من السياسيين يرددون هذه المقولة اما عن عمد او جهل مكرسين بذلك لمفهوم ان المسلمين ليسوا مصريين اصلاء , وان المسلمين ما هم الا عربا اتوا لمصر من الجزيرة العربية واحتلوها واخذوا فى اضطهاد اهلها , ورغم ان هذه الاسطورة تتناقض مع الاسطورة السابقة وتهدمها الا انها ايضا قائمة على العدم , فكل دارس للتركيب العرقى للشعب المصرى سيجد ان نسبة المجموعة العرقية التى ينتمى اليها العرب ( وهى تضم شعوبا اخرى غير العرب ) اقل من خمس عدد السكان , اى ان كل الهجرات التى اتت الى مصر عبر التاريخ وتنتمى لهذه المجموعة اقل من الخمس , فكيف يكون الحديث عن مسلمين وقبط وكأن المسلمين ليسوا قبطا؟
وتوازيا او ترتيبا على هذه الاساطير التاريخية تنطلق الكنيسة الى مجموعة اخرى من الاساطير وهى الاساطير السياسية :
1- اسطورة وطنية الكنيسة :
ان الكنيسة تحاول ان تؤكد على حقيقة ان السياسات الكنسية معتمدة بالاساس على اجندة وطنية , وانها تهدف الى مصلحة الوطن , وان البابا هو رمز وطنى لكل المصريين , ولا تتعارض هذه الوطنية بالطبع مع الدفاع عن اقباط المهجر الذين يستقوون بالخارج ويستغيثون بشارون او يستحثون الكونجرس على فرض عقوبات على مصر او يسعون لنشر القيم اليهودية المسيحية فى مصر والمنطقة العربية , فأقباط المهجر هم اشرف ناس ولو سبوا الاسلام وأهله , لو لعلهم يقصدون انهم اشرف الاسلام لأنهم يحقدون على الاسلام واهله , ولا مانع من ابتزاز الكنيسة للدولة سياسيا من اجل الوصول الى اهدافها ثم الظهور بمظهر الوطنى الذى يطلب من اقباط المهجر عدم التظاهر اثناء زيارة الرئيس المصرى لواشنطون .
2- اسطورة اضطهاد النصارى فى مصر :
ورغم سخافة كل الاساطير السابقة الا ان اسطور اضطهاد النصارى فى مصر هى الاكثر سخفا واضحاكا على الاطلاق , فالنصارى يبدو انهم قد نسوا معنى الاضطهاد لطول الزمن , فمنذ الفتح الاسلامى الذى انقذ الكنيسة المصرية من الفناء زمن طويل نسوا فيه طبيعة الاضطهاد وشكله , فكل ممارسة يقوم بها المسلم لدينه هى اضطهاد , فالرئيس مسلم وغالبية نواب الشعب مسلمين واغلب المحافظين مسلمين واغلب ضباط الجيش مسلمين بل وفوق هذا فان المنتخب الوطنى لكرة القدم كله مسلمين ويغيظهم انه يلقب بمنتخب الساجدين , وكأنهم يطالبون بكوتة نصرانية فى المنتخب حتى تنتفى اسباب الاضطهاد المزعوم .
ان الاوضاع السياسية فى مصر تطغى عليها حقيقة ان النظام يضع اولوية قصوى لتحقيق اهدافه الخاصة سواء بالاستمرار فى الحكم كنظام او بالتوريث , وفى سبيل تحقيق هذه الاولوية مستعد للتخلى عن – بل واعلان الحرب على – كل الثوابت التى تحكم مجتمعنا , والكنيسة لا تقصر فى ممارسة ابتزاز سياسى للتحصل على اكبر كم من المكاسب , وهذه اللعبة السياسية بين الكنيسة والنظام ستكون الوقود لاى انفجار طائفى يحدث – لا قدر الله - فى مصر , وعلى المسيحيين فى مصر ان يدركوا ان اى اخلال بالعقد الاجتماعى الذى ينتظم فيه ابناء مصر مسلمين ومسيحيين لن يكون فى صالحهم على المدى الطويل , فمحاولات التحرش المستمرة بقيم الاسلام وثوابته واستفزاز المسلمين دينيا لن تكون عواقبه محمودة ابدا , فمن الهجوم على الاسلام والاستهزاء به – كما حدث فى المسرحية الشهيرة او من خلال اقلام والسنة كثير من رجال الكنيسة – الى المحاولات الحثيثة التى تهدف الى محو الهوية الاسلامية لهذا الوطن – مثل المطالبة بألغاء تدريس الدين فى المدارس وحذف النصوص الاسلامية من مناهج التعليم والالحاح على الغاء المادة الثانية من الدستور – هى دفع نحو تفجير الاوضاع لأنه يؤكد حقيقة ان الكنيسة لا تريد الا محو الاسلام او محو اتباعه .
وان كان لنصارى مصر حقوق ومظلمات يمكن مناقشتها وحلها فى اطار مجتمعى بعيدا عن الابتزاز السياسى , لكن يجب ادراك ان للمسلمين حقوقهم ايضا يجب احترامها ولا يحق للمسيحيين ان يحجروا علينا , فالمعادلة الاجتماعية التى يجب تحقيقها هى احترام هوية الاكثرية القبطية المسلمة وحفظ حقوق الاقلية القبطية المسيحية .