السبت، 20 يونيو 2009

نعم للتحرش الجنسى

فى الاونة الاخيرة ظهرت بعض الحركات الداعية لمقاومة التحرش الجنسى وفضح مرتكبيه بغرض التصدى لتفشيه , لكن الحقيقة ان الامر لم يخلو من الابتذال والتدنى على المستويين الفكرى والاخلاقى فى التعاطى مع هذه القضية , فبدلا من البحث ان الاسباب الحقيقية لهذه المشكلة بدأ اختلاق اسباب وهمية بغرض صرف الانظار عن الاسباب الحقيقية له .
فهذه الحملات تؤسس لمبدأ ان المتحرش لا يهمه طبيعة ملابس المرأة سواء محجبة او عارية , وهذا ان صح فى ظاهره الا انه لا يصح عند تطبيقه على مسألة تفشى الظاهرة نفسها , فمسألة الغريزة الجنسية هذه مزروعة فى الانسان بالفطرة , وميله للجنس الاخر امر طبيعى وفطرى , وفى حاله حدوث الاثارة لابد من تفريغ لها بطرق طبيعية ايضا تنحصر شرعا فى الزواج , لكن فى ظل تأخر سن الزواج والمعاناه حتى داخل المؤسسة الزوجية أديا الى عدم امكانية التنفيث عن هذه الرغبة البشرية بصورة سليمة , فلابد ان الحل يكمن فى تقليل المثيرات الجنسية التى تؤدى الى تفجر هذه الرغبة وايقاظها , وبالتالى فضحية التحرش انما هى فى الاساس ضحية هذا المثير الجنسى الاولى وان كنا لا ننكر جرم المتحرش فى ذاته , ولا اعتقد ان هناك شخص سوى يخالفنى فى ان اللبس المثير التى تلبسه كثير من النساء هو مما يفجر هذه الغرائز , وبالطبع لا ننكر الامر بغض البصر والاستعانة بالصوم والاستغفار لكن نحن نتكلم عن سلوك عشرات الملايين وليس عن مجتمع فئوى .
اما على المستوى الاخلاقى فطريقة التعاطى امتازت بكثير من الوقاحة والتدنى مما خرج بهذه الحملات والحركات من محاولة للتصدى للظاهرة الى الانغماس فى ذكر تفاصيل جنسية بأساليب صريحة تصل بها الى الانتقال الى خانة الادب المثير للغرائز ( erotic literature ) , فلا ادرى ما هى الفائدة المتحصلة من التصريح بألفاظ كتلك المذكورة فى هذا
المقال , هل يمكن القول انها تمثل تنبيه الى المرأة ان الرجل لو قال لها ان ( .....ها تحفة ) يبقى الواد نيته وحشة وقليل الادب وعاوز يتحرش بيها؟ هل هناك امرأة بحاجة الى هذه النصيحة الجليلة لتصل الى هذا الاستنتاج الخطير؟ ام ان هذه الالفاظ تحديدا فائدتها ان توضح للرجل ان استخدامه لها يؤذى المرأة ويشعرها انه يتحرش بها؟ سبحان الله .
والابتذال هنا لا يتوقف عند هذا الحد فقد ظهرت مدونة لشخصية تسمى نفسها ( المتحرش بها ) وتحكى بالتفصيل الدقيق كيف تم التحرش بها , ومرة اخرى لا ادرى ما فائدة هذا القصص الاباحى فى مقاومة الظاهرة ؟
وفى قضية نهى رشدى مازلت اذكر الحاح معتز الدمرداش على الضحية فى ان تذكر تحديدا ماذا فعل الجانى ؟ ولم يسكت حتى قالت ( مسكنى من صدرى ) وطبعا الراجل توقف عند هذا الحد وللأسف لم تكتمل الفائدة العظيمة من هذا التقرير لأنه لم يسألها مسك ناحية واحدة ولا الناحيتين ولو كان ناحية واحدة كانت اليمين ولا الشمال .
ان هذه النماذج من التعامل مع المسألة تماثل جلب ضحية للاغتصاب ليتم الاستفسار منها عن الكيفية التى قام بها مغتصبها بزغزغة ثدييها ودغدغة ترائب عذرتها وكيف سكب عليها ماء زناه .
اننا لا ننكر ان احد اساليب علاج المتحرشين النفسية تتمثل فى تنمية ذكاءه العاطفى عبر مواجهته بحقيقة مشاعر ضحيته تجاه ما لحقها من اهانة واذلال , لكن بالتأكيد يكون فى اطار علاجى متكامل وموجه لحالات منفردة وليس بهذا الابتذال والتدنى الرخيص , ورغم اتفاقنا على ان التصريح والتوضيح اللفظى المطلق انما هو ضرورة حتمية فى مجلس القضاء او اثناء التحقيق لكن ليس بأى حال من الاحوال على الملأ بهذه الصورة .
واجتماع الابتذال على هذين المستويين فى التعاطى مع القضية لا يمكن بحال من الاحوال ان يؤدى الى حصار الظاهرة ومكافحتها , انما الى انتشارها وازديادها , وكأن حقيقة دعوتهم هى " نعم للتحرش الجنسى " , فمما هو معلوم من خلال الدراسات العلمية ان كثرة تناول الجرائم فى الاعلام يؤدى بالتبعية الى زيادة انتشارها , فما بالنا وان التعاطى مع هذه الظاهرة يتم بهذا الابتذال والسوقية والتدنى؟

الخميس، 4 يونيو 2009

تجميل صورة أمريكا

لمصلحة من تجميل وجه أمريكا القبيح بعد أن سقطت الأقنعة التى خدعت بها من قبل السذج والبسطاء وساعدها فى ذلك عملاؤها فى الداخل من المطبلين والمزمرين للهيمنة الامريكية من الساسة والنخب هل من مصلحة المسلمين تجميل وجه أمريكا ، الذى لم يدخر بوش وسعا فى اظهاره على حقيقته وإن كانت كلفة ذلك باهظة من دماء المسلمين وأرواحهم وحرماتهم ، بالألوان والمساحيق ؟ هل من مصلحتهم صرف أنظارهم وانتباههم عن عدوهم الحقيقى الذى يقف وراء حالة التقهقر والضعف والتردى والاستبداد والفقر التى يعيشونها ؟ هل من المصلحة السماح لها بالاستمرار فى ممارسة الكذب والنفاق والخداع ومد يد العون لها فى ذلك لتمضى قدما فى استغفال المسلمين ؟ وهل المصلحة فى أن ننخدع وتنطلى علينا الاكاذيب والمجاملات الخادعة؟ مما جاء فى التنزيل فى مثله : يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم . الآية
يذكرنى ذلك بما كان من ابن سلول الذى سن لنفسه سنة لم يسبقه إليها أحد من المنافقين ليبعد عن نفسه أي شبهة تدل على نفاقه وبغضه للإسلام وأهله فجعل لنفسه مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال‏:‏ أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله به، وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وصنع المنافق ما صنع في أحد، فقام يفعل كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا‏:‏ اجلس يا عدو الله، لست لهذا المقام بأهل‏.‏ قد صنعت ما صنعت‏.‏ فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول‏:‏ والله لكأني قلت هجرا أن قمت أسدد أمره .
فلماذا لا يكون لنا فى رسول الله وأصحابه أسوة حسنة لما أبوا أن يُستغفلوا من قبل أبى بن سلول وأشباهه من المنافقين
وها نحن نشهد دعايا جديدة من قبل عَبَدة " هُبَل " أو " عُزَّى " العصر الحديث ، ، وسدنتها , إذ تربطهم بها علاقة عشق ومودة وحضورهم على الساحة وبقاءهم مرهون بهيمنتها وسطوتها ، للترويج لهذا الوثن الذى يئس من أن يعبد فى بلاد المسلمين وباءت دعوته , بعد تحقيق بعض النجاحات , بالفشل كما مال نجمه ، على صعيد الهيمنة والسيطرة , للأفول وآلت دولته للزوال .
ان امريكا بعد تراجع قدراتها على مواصلة انتهاج اسلوب الصدام المكشوف مع العالم الاسلامى قررت ان تستعين ببعض استثماراتها طويلة الاجل فى امتنا والمتمثلة فى ذوى الياقات البيضاء وعشاق الحضارة الامريكية من بنى جلدتنا , وقررت مع وصول اوباما للحكم بدء حملة علاقات عامة واسعة لتجميل صورتها فى العالم الاسلامى دون تغييرها بالطبع , وكان خطاب اوباما فى جامعة القاهرة هو ذروة سنام هذه الحملة , فالرجل يجمل لنا غزوه لأفغانستان وقتل المدنيين والاسلاميين فى باكستان , ويدفعنا دفعا لتأييده والتصفيق له على هذه الحملة المباركة المظفرة , فالرجل يريد ان يحسن صورة العالم الاسلامى فى امريكا كما يدعى احباب امريكا , ويريد ان يتواصل معنا ويغيير من اسلوب التعامل , لكن لا يمكن القبول بهؤلاء "المتطرفين " الذين قتلوا الالاف من الامريكان فى نيويورك , فعلينا ان ننأى بأنفسنا عن هذه القلة القليلة ليفعل بها الامريكان ما شاؤوا لكى نحسن علاقاتنا بها , ولكى ننعم بالصورة الامريكية الجميلة الجديدة , كما ان الامريكان لن يقصروا فى رعاية الاف المشردين بالدولارات والمعونات وغيرها , فقط علينا ان نخلى بينهم وبين عناصر المقاومة والممانعة . اما فى فلسطين فلابد ان نتنبه الى خط احمر وهو العلاقة بين امريكا واسرائيل , علينا الا نحلم بالمساس به لكن يمكن الكلام فيما وراء ذلك , الرجل يعد بدولة فلسطينية جوار دولة اسرائيلية , فاليهود عانوا على مر العصور مقابل ستين سنة فقط من المعاناه الفلسطينية فيجب ان نتقبل وجود دولة يهودية مقابل هذه المعاناه , وعلينا أن نقبل بأكبر خرافة ألا وهى أنه لا يمكن ان تزول اسرائيل من الوجود ! ولا ادرى اى اختلاف هذا فى موقف اوباما عن سابقه بوش ؟ لكن لابد ان نستمع الى تنويه هام من أحد عشاق امريكا المدعو عبد الخالق عبد الله الذى طالعنا فى الجزيرة اليوم , فهو رصد نقطة غاية فى الخطورة وتطور درامى مذهل وتغير جذرى عميق وزلزال سياسى ضخم سيهز العالم اجمع فى الموقف الامريكى تجاه فلسطين فقط سجل لاوباما قوله " ان امريكا لن تدير ظهرها للفلسطينيين " , يا الله كم هو حنون هذا الامريكى الاسمر , كم هو شجاع وقادر على التعاطى بعدل وانصاف مع اخواننا فى فلسطين , ان قلوبنا قد ذابت لهذا التعاطف المطلق معنا .
ان من خلال تحليل خطاب اوباما فى جامعة القاهرة يمكن ان نقرأ بصورة جيدة كل الحملة الدعائية الامريكية الاخيرة , هناك محورين اساسيين فى التحرك السياسى الامريكى اولهما متعلق بالصورة الخارجية والادوات المستخدمة وثانيهما القضايا الصلبة , لقد قررت امريكان اتباع اساليب ناعمة وحريريه لتحقيق اهدافها , لكن موقفها الاستراتيجى فى القضايا الصلبة مازال على حاله لم يتغير , فمثلا الموقف من عناصر الممانعة فى الامة , نعم لم يعودوا ارهابيين لكنهم متطرفين يسيئوا للاسلام ولابد ان ندع اوباما بل ونساعده على ان يحسن صورة الاسلام بأبادتهم والقضاء عليهم , وفيما يخص ايران مازال الهدف هو منعها من امتلاك سلاح نووى , لكن بدلا من خوض حرب مفتوحة هو يقنعها ان هذا سيفتح سباقا للتسلح , وكأن هذا السباق لم يبدأ بامتلاك اسرائيل لرؤوس نووية , اما على القضية الفلسطينية فبعد ان اكثر من السكر والعسل طعمه بمقولات عن وجوب الامتناع عن المقاومة المسلحة فهى لن توصل لنتيجة , ودعوته للفلسطينيين ان ينتهجوا نهج السود فى امريكا وجنوب افريقيا , لكن لماذا يا سيادة الرئيس لا يصح ان ننتهج اسلوب الاباء المؤسسين الذين استشهدت بمقولات احدهم فى انشاء امريكا بالقوة المسلحة ضد الامبراطورية البريطانية ؟
ان الاحمق فقط هو من يظن ان هناك تغيرا حقيقيا فى السياسة الامريكية , مازالت اهداف امريكا الاستعمارية واحدة ولو اختلفت اساليبها , ومازال هدفهم فى القضايا الاساسية كلها ثابتا فقط تغير الشكل الظاهرى ليكون اكثر قبولا واسهل فى التمرير .
وقد يساعد على نجاح هذه الحملة الاعلامية عاملان مهمان , اولهما موقف الجكومات المرحب وبشدة وبعاطفة حقيقية بهذا النهج الامريكى الجديد , فالادارة الامريكية ادركت على من تضع رهاناتها , لقد اختارت جواد الحكام المستبدين وقررت الامتناع عن مضايقتهم بصداع الاصلاحات الديمقراطية والانتخابات الحرة , فالرجل تحدث صراحة عن عدم امكانية فرض لأى نظام ديمقراطى من الخارج وهو ما يتطابق بصورة كاملة مع نفس ردود النظم الحاكمة على المطالبات الامريكية فى السابق بمزيد من الحريات , ثانى العوامل التى يعول عليها لانجاح هذه الحملة هم مريدى امريكا الذين دعوا الامة الاسلامية لمزيد من الاعتدال والبعد عن التطرف والتشدد وترك الشعارات واتخاذ اوباما مثلا وقدوة , فالرجل يستشهد بالقران فهو يعلم الاسلام مثلنا وربما اكثر منا , ولعلهم فى هذا يقيسون على مدى علمهم بالقران , فلعل اوباما استشهد بايات من القران لم يعلموا انها منه , ولكن للأمانة العلمية فموقف هؤلاء ليس بالضرورة نابعا من املاءات خارجية بقدر ما هو نابع من حب حقيقى وايمان صادق بالحضارة الامريكية ووجوب الاقتداء بها والابتعاد عن امثال بن لادن والظواهرى والمتطرفين .
ومن الانصاف ان نعترف وبصراحة ان هذه الحملة يمكن ان تحقق بعض النجاح على الصعيد الشعبى لسذاجة الكثيرين وقله وعيهم , فمجرد ان يروا اوباما يستشهد بالقران ويقتبس من قصة الاسراء يجعلهم يفتتنون بهذا المظهر مثل افتتان العوام بلكنة احد الاجانب فى شوارع القاهرة وهو يقول الهمدولله او السلامواليكم , لكن وبكل وضوح نود ان نوضح للناس ان اوباما ماهو الا نابوليون اخر او لنقل مينو العصر الحديث , هل سنكون نحن على مستوى وعى المصريين وقت الحملة الفرنسية ونواجه هذه الحملة الامريكية ام ان السذاجة قد تغلغلت الى نفوسنا حقا؟

الاثنين، 1 يونيو 2009

Bienvenue à la civilisation des libérals

عندما يصطدم دعاة الليبرالية بثابت من ثوابت الاسلام فانهم عادة ما يلجأوا الى تسميته تسميته بتسميات أُخر لكى لكى يطلقوا العنان لأنفسهم فى مهاجمته متجنبين التصريح بمعاداة الاسلام وتعاليمه , فلو ارادوا مهاجمة الجهاد سموه بالبن لادنية وعندما يهاجموا اى من اركان التوحيد سموها بالوهابية ولو رغبوا فى رفض الحاكمية سموها بالقطبية , وفى اخر صيحة لاستخدام هذا الاسلوب ينتقد محمد سلماوى فى مقاله المنشور بالعدد السابق من الاهرام ابدو منتقدى ورافضى العرى والتحلل متمثلا فى الرقص الشرقى مسميا موقفهم هذا بالطالبانية .
فالرجل يرى ان الرقص الشرقى يجب ان نتمسك به وننشىء المدارس لتعليمه لا ان نمنعها , وقدم لهذا الطرح عدة دفوع اولها ان الرقص الشرقى هو عمل فنى شعبى يضرب بجذوره فى التاريخ وصولا الى زمن الفراعنة حيث ان الجداريات تصور الراقصات يلبسن نفس زي راقصات اليوم , كما انه فن تناقلته الاجيال عبر الزمن منذ الفراعنة وصولا الى زوبة وحكمت فهمى وتحية كاريوكا وسامية جمال ونجوى فؤاد , وقد حاز هذا الفن اعجاب وتقدير العالم اجمع حتى فتح المدارس لتدريسه بينما نحن نرفض فعل هذا .
وقياسا على هذا المنطق فيجب علينا ان نقدر كل لون من الوان الفنون التى تصل الينا من الفراعنة فمثلا التصوير الاباحى (pornography ) له وجود قوى فى العصر الفرعونى بما يعود لعصر الرعامسة منذ اكثر من الف عام قبل الميلاد , وله شواهد عديدة على الجداريات الفرعونية , فهل يرى سلماوى بوجوب احياء هذا الفن التراثى العريق ؟ ام انه لا يعبر عن السجية المغروسة داخل هذه الامة؟ ام ياترى يراه لا يحوز اعجاب العالم وتقديره هذه الايام ؟ ام انه ينتظر الوقت المناسب لاطلاق صيحته الداعية لأحياء هذا الفن الفلكلورى العبقرى؟
ولكى يقطع الطريق على كل من يظن بالرقص والراقصات ظن السوء او من تسول له نفسه ان ينظر اليهن نظرة متدنية او شاكة فيهن وفى عملهن فهو يؤكد ان الرقص مثله مثل اى مهنة اخرى يمكن ان يتم الارتقاء بها الى اعلى مستويات الحرفية كما فعلت فريدة فهمى فى ستينات القرن الماضى او ان يستخدم كوسيلة للكسب السريع , وهو بالطبع يدعم النوع الاول من الرقص الاحترافى المحترم الذى يكون من البيت للكباريه ومن الكبارية للبيت .
ثم ينتقل سلماوى بعد ذلك الى انتقاد النظرية القائلة بمنع الرقص لما يترتب عليه من مضار , وكأن الرقص فى ذاته خير محض , او كأن العرى وهز الوسط والبطن والارداف لا شائبة تشوبه , انما هؤلاء الطالبانيين الذين يدعون لمنعه ومنع انشاء مدارس لتعليمه انما يحتجون فقط بأنه قد تترتب عليه مضار , وبالتالى فهم يشبهون طالبان عندما منعت تعليم البنات لما يترتب عليه من مضار وادى تفكيرهم هذا الى ان اصبحنا البلد الوحيد الذى ذبح الخنازير دون ان ننجح فى منع انتقال الانفلونزا بين البشر .
ولكن القياس هنا فاسد فالرقص الشرقى هو فاسد فى اصله ولا تترتب عليه اى منفعة فتحريمه انما لما فيه من عرى واثارة للغرائز لا ينكرها الى اعمى او مخنث , اما تعليم البنات فله من المنفعة مالا ينكر , وسواء كان موقف طالبان صحيحا او خطأ فان تصرفها بنى على قاعدة تدافع المصالح والمفاسد اما منع الرقص الشرقى فلا ينطبق عليه هذه القاعدة انما هو محرم لذاته وليس محرم لغيره , اما بالنسبة لذبح الخنازير فهى وان لم تمنع انتقال المرض من الانسان للانسان فهى منعت احد الطريقين للعدوى وهو من الخنزير للانسان , وهذا اسلوبمعروف لمكافحة اى جائحة , فلو انتشر الطاعون ينصح بابادة الفئران رغم ان هذا الاجراء لن يمنع من انتقال الطاعون بين البشر لكن يقلل فرص وسرعة الانتشار .
ولكى يقطع الطريق على هؤلاء الاسلاميين الطالبانيين فهو يدعى ان الرسول كان يقدر الموسيقى والغناء وكل فن رقيق l’art raffiné , ويدعى ان هذا ورد فى عدة احاديث مستشهدا بدليل من عنديات امه ان الرسول عند دخوله المدينة استقبلوه بالعناء والموسيقى , ورغم ان تحريم الموسيقى والتصوير والنحت ورد فى احاديث عديدة اشهر من ان يحكى فهو يزعم ان منع الرقص الشرقى انما مرده الى اننا فى زمن طالبان وليس فى زمن الرسول , كأنه يود ان يقول ان الرسول – والعياذ بالله – كان سيقر تحية كاريوكا او نجوى كرم على رقصها الراقى المحترم الرقيق .
ان هذه العقلية هى نموذجا واضحا لما يمكن ان نستشرفه من ملامح الحضارة الليبرالية التى يدعون لها , فسوف يبذلون قصارى جهدهم لاعادة احياء تراث الهشك بشك الذى يمثل الواجهة الحضارية لمصر والرسالة الاخلاقية التى تتكفل بنشرها فى العالم اجمع , كما سيعملون على السماح بكل محرم مع محاربة شروره دون منعه , فالدعارة لابد من السماح بها اذ ان منطق منع الشىء لشروره هو امر لا يمت للعقل المنفتح بصلة , انما يمكن تنظيمه بما يمنع انتقال العدوى واختلاط الانساب من خلال استخدام الواقى الذكرى ووسائل منع الحمل المختلفة , كما يجب ان يكون هذا على اعلى مستوى من الاحترافية حتى يكون هناك عاهرات محترفات ترتقى بمهنة الدعارة الى ارقى درجات الاحترافية المهنية بعيدا عن الابتذال والتدنى .